top of page

مفارقة الخير والشر في الإعلام

تاريخ التحديث: ٢ ديسمبر ٢٠١٨

بقلم عبدالله محمد سندي

في بعض الاحيان تجد نفسك مشدوداً لحدث ما، أو تنتظره بفارغ الصبر، و قد يكون هذا الحدث ابعد ما يكون عن اهتماماتك، و من الممكن ان يكون في مجال اهتمامك و لكنك تفرّغ يومك كله للاستعداد لمشاهدة هذا الحدث، في الاغلب الاعم انت قد تعرض لعملية "بناء"للحدث.build-up



يُستخدم هذا الاسلوب الاعلامي بشكل مكثف في المجال الرياضي، و يُستخدم في مجالات اخرى، و لكن استخدامه في المجال الرياضي اوسع بكثير عن غيره، بالاضافة انه اسلوب يتطلب وجود حدث تنافسي، و ليس هناك اكثر منافسة من الرياضة.

و للخروج عن المألوف دعنا نعطي مثالاً على رياضة غير كرة القدم، و التي يُستخدم فيها عملية البناء مثلها مثل غيرها من كرة القدم، سيكون مثالنا على اكثر الرياضات شراسة و دموية و هي رياضة "الملاكمة"، و قد يستغرب البعض من انها تسمى رياضة الفن النبيل ولكن هذا مجال اخر للحديث، كيف يتم بناء نزال ملاكمة؟

من لحظة اعلان النزال و انه سيكون هناك نزال بين الملاكم زيد ضد الملاكم عبيد، يتم جمع فريقي الملاكمين في مؤتمر صحفي مصغر و في بعض الاحيان القليلة يكون ذلك بوجود كلا الملاكمين، هدف هذا المؤتمر الاعلان عن النزال و مكانه و تاريخه، و من الممكن ان يتم استدعاء احد الملاكمين القدمى للحديث عن اهمية النزال، في المجمل يتصف هذا المؤتمر بالصفة الرسمية.

تبدأ بعد ذلك الجولة ترويجية و التي غالبا تكون في عدة مدن مختلفة، يكون فيها تراشق بالفاظ بين الملاكم زيد و الملاكم عبيد، يكون هدف هذه الجولة محاولة خلق طرف نشجعه نحن كمشاهدين ،و نعرف من "الطيب" و من "الشرير"، و من الممكن ان كرهنا لواحد منهما يكون كافي، أي ليس بالضرورة ان نحب واحد منهما، المهم ان نأخذ طرف من الطرفين بأي شكل من الاشكال.

عند اقتراب يوم النزال يتم عرض برنامج على عدة حلقات مدته ساعة يصور فيه حياة الملاكمين خلال اخر اسبوع او اسبوعين قبل النزال، و يكون مثل برامج تلفزيون الواقع، نرى فيه يوم الملاكم منذ خروجه من منزله في الخامسة صباحاً، و تدريباته و اكله و غيرها، الهدف من هذه الحلقات ايصال فكرة ان كلا الملاكمين قد اجتهادا، ورأينا ذلك امامنا، و ان الكلام قد انتهى، و اقتربت لحظة الحقيقة.

الفكرة من" بناء" الحدث، أي حدث، هي ان المشاهد يصبح جزء لا يتجزأ منه،"بناء" الحدث ليس مجرد اعلان في وسائل الاعلام و بوسترات معلقة في الشوارع، بل هو دعوة للمشاهد بالمشاركة في هذا الحدث و العيش معه من شهرين إلى ثلاثة اشهر قبل حدوثه، بمعنى آخر يصبحو كأنه يعرف الملاكم زيد و الملاكم عبيد معرفة شخصية، و يعرف قصة ام زيد التي ماتت بالسرطان، و زوجة عبيد المعاقة بعد حادث سير أليم، و يعرف سيارة زيد الفارهه، و منزل عبيد في جزر المالديف، هذه المعلومات تجعلك تكوّن صداقة مع أحد الملاكمين او كلاهما، و اليوم سوف اشاهد "صديقي" في نزال، اذن لابد ان اقف مع "صديقي" على الاقل كمشاهد، او قد تكون كرهت احد الملاكمين و اريد ان اراه ينهزم و يهان، أي في النهاية هذا النزال اصبح قضيتك و تريد ان ترى حلها.


سكربت الإلقاء:

"أكره هذا الشخص.. شكله شرير..! أنا أحب الملاكم الثاني.. متواضع وحبيب مع الجمهور ومؤدب في تصريحاته..!".. هذي العبارة أطلقتها أنا أثناء مشاهدتي لمباراة ملاكمة أو كما تسمى في عالم الملاكمة Bout أو نزال.. هذه العبارة ماهي غريبة.. دائما أسمعها مع كل حدث رياضي..! لا إرادياً ننجرف، نكره نحب أحد طرفي أي حدث رياضي لأن ببساطة أحد الطرفين يمثل معسكر الشر والآخر طيب حنون كتوم...! بعبارة أدق وأصح..! معسكري الخير والشر في الإعلام الرياضي، وغير الرياضي، هو طُعم لذيذ ومحترف، تم تصنيعه لصيدنا..! نعم نحن سمك السلمون.. وعشان نعرف مين الصياد، ونوع الطعم، وطريقة الصيد.. حتروحو معانا رحلة دقائق مع مقال كتبه مدوِّن papersamwich الأستاذ عبدالله عن مفارقة الخير والشر في الإعلام.. welcome aboard!

المقال يكلمكم عن ظاهرة غريبة شوية.. قد نكون إنتبهنا لها.. وقد تكون للآن بالنسبة لنا في عالم الغيب.. أستهل الكاتب مقاله بجملة جميلة قائلاً "أحياناً تجد نفسك مشدوداً لحدث ما، أو متحمس جداً وإنت تنتظر فعالية من الفعاليات، مباراة مثلاً أو برنامج أو أو أو.. الغريب إن هذا الحدث أو الفعالية.. قد تكون بعيدة تماماً عن اهتماماتك أساساً.. و لكن وبشكل ملفت، تجد نفسك تفرّغ يومك كله للاستعداد لمشاهدة هذا الحدث.. متحمس مع هذا الحدث! تدافع وتنتقد وتتكلم عن هذا الحدث..! ايش سر هذا الحماس والاهتمام المفاجئ؟؟ ببساطة، إنت في الاغلب الأعم قد تعرضت لعملية غسيل دماغ سريع ومدروس إسمها.. "بناء"للحدث.build-up"

Build Up احفظو هذه الكلمة..! استفزتني هذه الكلمة.. لغوياً.. Build up تصنف كفعل مركب أو Phrasal verb.. يعني فعل build و حرف جر أو ظرف مكان up .. الناتج عندنا هو فعل مركب.. معناه الحرفي ينمّي أو يكدس فوق بعض حتى ينمو الشيء..! طبعاً انتقلت الكلمة للإعلام وبديناميكية اللغة الإنجليزية لصقو كلمة build مع up وصارت كلمة واحدة متلاصقة تصف أسلوب أو تكنيك إعلامي لـ"بناء الإثارة قبل الحدث".

يقول الكاتب: "يُستخدم هذا الأسلوب الإعلامي بشكل مكثف في المجال الرياضي، و يُستخدم في مجالات اخرى، و لكن استخدامه في المجال الرياضي اوسع بكثير عن غيره، بالاضافة انه اسلوب يتطلب وجود حدث تنافسي، و ليس هناك اكثر منافسة من الرياضة".. أنا معاه في هذا الكلام.. الكلمة سمعتها في صناعة الأفلام والصناعة الحرفية بشكل عام.. The buildup of suspense in this novel will start now.. هذي جملة قرأتها في تحليل رواية من الراويات ومعناها بناء الإثارة في الرواية حيبدأ الآن.. ! وإثارة مقالنا حتبدأ الآن.. فاستعدو لضخ الأدرينالين..!

يقول الكاتب "للخروج عن المألوف دعونا نعطي مثالاً على رياضة غير كرة القدم، والتي يُستخدم فيها عملية البناء مثلها مثل غيرها من كرة القدم، سيكون مثالنا على اكثر الرياضات شراسة و دموية و هي رياضة "الملاكمة"، و قد يستغرب البعض من انها تسمى رياضة الفن النبيل ولكن هذا مجال اخر للحديث، كيف يتم بناء نزال ملاكمة؟"

الكاتب يقول إن من يوم يُعلن في الإعلام إنه سيكون هناك نزال bout بين ملاكمين.. الملاكم x و الملاكم y.. يُعلن عن مؤتمر صحفي يتكدس فيه فريق كلا الملاكمين..! هذا المؤتمر طبعاً حيتكلم عن شغلات روتينية تقليدية.. موعد النزال مكانه تاريخه وكذا..! أحياناً يستضيفو شخصية بارزة في الملاكمة من باب الكلام عن أهمية النزال..! الوضع للآن رسمي جداً.. لكن هذي مو كل الحكاية..!

نجي لمخ المقال.. الكاتب يقول إن بعد المؤتمرات الرسمية.. يبدأ الترويج للملاكمة بجولات مكوكية بين ولايات أمريكا.. يتقابل فيها الملاكمين على منصة المؤتمر الصحفي، إن صح التعبير.. وليه إن صح التعبير؟ لأنه أبعد عن مايكون مؤتمر صحفي.. هو مؤتمر تراشق بالألفاظ بين الملاكم x و y و أحيانا يحصل تماسك بالإيدي ولكمات و و.. هذي كلها محاولات مو بس لإضافة الحماس.. بل تستهدفنا كلنا أن نأخذ واحد من المعسكرين.. نشجع مين ونترك مين.. هنا حنبدأ نطلق أحكام عليهم.. مين طيب فيهم ومين سيء؟ وهذا شيء طبيعي.. في أي قتال نصادفه في الشارع.. نحب نكتشف مين الي غلط على مين؟؟!! إذا مرينا بجنب حادث سيارة، لابد واحد فينا ينظّر ويحلل ويقول مين الغلطان ومين المظلوم..! الأمريكيين عرفو ولعنا بتحميل أحد الأطراف الخطأ.. عرفو حبنا لمفارقة الخير والشر.. ورمو لنا طُعم..عشان.. وهنا أقتبس حرفياً من المقال "ان نأخذ طرف من الطرفين بأي شكل من الاشكال"..

محدثكم، العبد الفقير إلى الله، كنت أحد الضحايا..! نعم أنا ابتلعت هذا الطعم مرة من المرات.. بصراحة أكثر من مرة. بل مئات المرات. وأبشركم، مرة من المرات مع نزال حصل قبل 20 سنة..! كنت مع أحدهم، واقترح أن نشاهد على اليوتيوب، نزال قديم في الملاكمة.. غلطتي إني ما أعطيته علامات لا مبالاة لأني ماني من عشاق الملاكمة.. فقرر هذا الشخص بخبث شديد أن يشغل مقطع مقابلات للملاكمين قبل نزالهم.. المقطع بدأ بتعريف بالشخصيتين، ثم نبذة عن تاريخهم من الطفولة.. أحدهم عاش فقير.. عانت والدته في تربيته بعد هجران والده لهما..! سُجن مرات كثيرة واستطاع أحد المدربين اكتشافه..! وصل لمكانة عالية في الملاكمة..! وصل لنزال الحسم على الحزام..! مع ملاكم بطل.. في نفس التقرير الملاكم البطل تهكم بكل الأشكال على خصمه ونعته بالهزيل البائس النكرة..! أنا تقريباً متماسك للآن إلى أن ضغط البطل على زر تسبب في ثورة داخلي لما قال "كيف تتقون بذلك الملاكم الي ربته إمرأة ..فيها وفيها..!"ما يحتاج أقول لكم الي حصل بعدها..! أنا حلفت على صديقي إن يشغل النزال، ونظرات الحقد على البطل واضحة وضوح الشمس في عيوني..! بالمختصر المفيد.. أنا بلعت الطُعم..!

الكاتب قال كلام مهم.. يهمنا كلنا.. أهل التسويق بالخصوص.. قال حرفياً "الفكرة من الـBuildup أو بناء الحدث هي أن المشاهد يصبح جزء لا يتجزأ من هذا الحدث.. هو ليس مجرد إعلان في وسائل الإعلام وبوسترات تعلق في الشوارع.. بل دعوة للمشاهد بالمشاركة في هذا الحدث..!".. كلام كبير من المؤلف.. كيف ترمي بالمشاهد إلى قلب الحدث وتجعله ياخذ موقف.. هذا الموقف هو ما سيجعلك صديق لأحدهم فتنتظر النزال بفارغ الصبر لدعم صديقك.. أو كره الآخر فتنتظر النزال لتشاهد بعينيك منظره وهو يسقط أرضاً.. بالعربي النزال الي ما كان يربطك به علاقة.. سيصبح قضيتك..

في النهاية نقول.. الـBuildup هو صناعة محترفين..! تقدر تستخدمه في التسويق.. لكن من تجربة، التعليم عندنا يحتاج هذا التكنيك.. هذه الصناعة. إن كان التحفيز هو العنصر رقم1 لضمان إيجاد طلاب دوافعهم للتعليم داخلية، فالـBuildup ورمي الطالب في قلب الحدث التربوي والتعليمي قد تكون أجدر صناعة نحتاجها هذي اليومين.. البودكاست هو دعوة مفتوحة لكل من يجد أن بناء الإثارة، ستنتج مجتمع مندمج مع عمله أو دراسته.. أن يكدس مكتبتنا العربية بمثل هذا الفكر..! لكل الصيادين، لنتقن صناعة الطُعم.. فنحن الأسماك ننتظره بشغف..!

كتب هذا المقال الأستاذ عبدالله سندي

كتب السكربت وألقاه على مسامعكم أنس بن حسين

في حفظ الله

عناصر القوة في المقال:

مصطلحات الملاكمة + قصص شخصية + القيمة الي يضيفها المقال






١٤٢ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page